كتاب: فيض القدير شرح الجامع الصغير من أحاديث البشير النذير **

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: فيض القدير شرح الجامع الصغير من أحاديث البشير النذير **


قال ابن الزملكاني‏:‏ أطلق جمع أن الفضل في الأعمال الصالحة باعتبار كثرة الثواب وليس على إطلاقه بل إن كانت ذات هذا الوصف أو هذا العمل أشرف وأعلا فهو أفضل وقد يخص اللّه بعض الأعمال من الوعد بما لا يخص به الآخر ترغيباً فيه إما لنفرة النفس عنه أو لمشقته غالباً فرغب فيه بمزيد الثواب أو لأن غيره مما يكتفى فيه بداعي النفس والثواب عليه فضل فالإنصاف أن المفاضلة تارة تكون بكثرة الثواب وتارة بحسب الوصفين بالنظر إليهما وتارة بحسب متعلقاتهما وتارة بحسب ثمراتهما وتارة بأمر عرضي لهما ويجمع ذلك أنه قد يكون لأمر ذاتي وقد يكون لأمر عرضي فإذا حاولنا الكلام في التفضيل فلا بد من استحضار هذه المقدمة فتدبرها فلا بد من ملاحظتها فيما مر وفيما يأتي انتهى وتحصل المبادرة باشتغاله بأسبابها كطهارة وغيرها أول الوقت ثم يصليها ولا تشترط السرعة خلاف العادة ولا يضر التأخير لقليل أكل وكلامه شامل للعشاء وهو الأصح عند جمهور الشافعية وذهب كثير منهم إلى ندب تأخيرها إلى ثلث الليل لحديث آخر ومحل ندب التعجيل ما لم يعارضه معارض مما هو مقرر في الفروع ‏(‏وبرّ الوالدين‏)‏ أي طاعتهما والإحسان إليهما فيما لا يخالف الشرع قال العراقي أخبر أن أفضل حقوق اللّه الصلاة لوقتها وأفضل حقوق العباد بعضهم على بعض برّ الوالدين فهما أحق بالبر من جميع الأقارب ‏(‏والجهاد في سبيل اللّه‏)‏ بالنفس والمال لإعلاء كلمة اللّه وإظهار شعائر دينه وقدّم برّ الوالدين لا لكونه أفضل من الجهاد لأن الجهاد وسيلة لإعلاء أعلام الإيمان وفضيلة الوسيلة بحسب فضيلة المتوسل إليه بل لتوقف حله على إذنهما وتوقفه عليه لا يوجب كونه أفضل منه وكم له من نظير أما طاعتهما فيما يخالف الشرع فليست من البرّ بل من الإثم فيجب على الإنسان أن يقاطع في دينه من كان به براً وعليه مشفقاً‏.‏

هذا أبو عبيدة بن الجراح له المنزلة العالية في الفضل والأثر المشهور في الإسلام قتل أباه يوم بدر وأتى برأسه إلى النبي صلى اللّه عليه وسلم طاعة للّه ورسوله حين بقي على ضلاله وانهمك في طغيانه ولم يعطفه عليه رحم ولا كفه عنه إشفاق وإنما خص هذه الثلاثة بالذكر لكونها عنوان على ما سواها من الطاعات فمن حافظ عليها فهو لما سواها أحفظ ومن ضيعها كان لما سواها أضيع فمن أهمل الصلاة مع كونها عماد الدين فهو لغيرها أهمل ومن لم يبر والديه مع وفور حقهما عليه كان لغيرهما أقل براً ومن ترك جهاد الكفار مع شدة عدوانهم للدين كان لجهاد غيرهم من الفساق أترك‏.‏

- ‏(‏خط عن أنس‏)‏ رمز المصنف لضعفه‏.‏

1236 - ‏(‏أفضل الأعمال‏)‏ أي من أفضلها أي بعد الفرائض كما ذكره في الحديث المار والمراد الأعمال التي يفعلها المؤمن مع إخوانه ‏(‏أن تدخل‏)‏ أي إدخالك ‏(‏على أخيك المؤمن‏)‏ أي أخيك في الإيمان وإن لم يكن من النسب ‏(‏سروراً‏)‏ أي سبباً لانشراح صدره من جهة الدين والدنيا ‏(‏أو تقضي‏)‏ تؤدي ‏(‏عنه ديناً‏)‏ لزمه أداؤه لما فيه من تفريج الكرب وإزالة الذل ‏(‏أو تطعمه‏)‏ ولو ‏(‏خبزاً‏)‏ فما فوقه من نحو اللحم أفضل وإنما خص الخبز لعموم تيسر وجوده حتى لا يبقى للمرء عذر في ترك الإفضال على الأخوان والأفضل إطعامه ما يشتهيه لقوله في الحديث الآتي من أطعم أخاه المسلم ‏[‏ص 26‏]‏ شهوته والمراد بالمؤمن المعصوم الذي يستحب إطعامه فإن كان مضطراً وجب إطعامه ولا يخفى أن قضاء الدين وإطعام الجائع من جملة إدخال السرور على المديون والجائع فهو عطف خاص على عام اللاهتمام‏.‏ قيل لابن المنكدر ما بقي مما يستلذ قال الإفضال على الإخوان ‏(‏ابن أبي الدنيا‏)‏ أبو بكر واسمه يحيى ‏(‏في‏)‏ كتاب ‏(‏قضاء الحوائج‏)‏ أي في الكتاب الذي ألفه في فضل قضاء حوائج الإخوان‏.‏

- ‏(‏هب عن أبي هريرة‏)‏ فقال سئل رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم أيّ الأعمال أفضل فذكره وضعفه المنذري وذلك لأن فيه الوليدة بن شجاع قال أبو حاتم لا يحتج به وعمار بن محمد مضعف ‏(‏عد عن ابن عمر‏)‏

ابن الخطاب وظاهر صنيع المؤلف أن البيهقي خرجه وسكت عليه والأمر بخلافه بل قال عمار فيه نظر وللحديث شاهد مرسل ثم ذكره والحاصل أنه حسن لشواهده‏.‏

1237 - ‏(‏أفضل الأعمال بعد الإيمان باللّه التودد‏)‏ أي التحبب ‏(‏إلى الناس‏)‏ حباً للّه وفي اللّه كما يشير إليه خبر أفضل الأعمال الحب في اللّه والبغض فيه ولأنه بذلك تحصل الألفة الجامعة التي تنعطف القلوب عليها ويندفع المكروه بها والألفة تجمع الشمل وتمنع الذل ومن أمثالهم من قلّ ذلّ والجمع بينه وبين ما قبله من الأخبار أن المصطفى صلى اللّه عليه وسلم كان يجيب كل أحد بما يوافقه ويليق به أو بحسب الحال أو الوقت أو السؤال وفيه إيماء إلى أن مخالطة الناس أفضل من العزلة‏.‏

قال ابن حزم الفضل قسمان لا ثالث لهما فضل اختصاص من اللّه تعالى بلا عمل، وفضل مجازاة بعمل أما فضل الاختصاص من دون العمل فيشترك به جميع الخلق من ناطق وغيره وجماد وعرض كفضل الملائكة وفضل الأنبياء وفضل إبراهيم بن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم على الأطفال وناقة صالح وذبيح إبراهيم وفضل مكة والمدينة والمساجد على البقاع والحجر الأسود على الحجارة وشهر رمضان ويوم الجمعة وليلة القدر، وأما فضل المجازاة فلا يكون إلا للحي الناطق وهم الملائكة والإنس والجن والأقسام المستحق بها التفضيل في هذا القسم سبعة ماهية العمل وكميته وهي الفرض منه وكيفيته والكم والزمان والمكان والإضافة فالماهية أن يكون أحدهما في العمل يوفي فروضه والآخر لا يوفيها والكمية أن يخلص أحدهما في العمل ويشوبه الآخر ببعض المقاصد الدنيوية والكيفية أن يوفي أحدهما بجميع حقوق العمل أو رتبه والآخر يأتي به لكن ينقص من رتبته والكم أن يستويا في الفرض ويتفاوتا في النفل والزمان كصدر الإسلام أو وقت الحاجة والمكان كالصلوات بالمسجد الحرام والإضافة كعمل من نبي ونتيجة الفضل بهذه الوجوه شيئان أحدهما تعظيم الفاضل على المفضول فهذا يشترك فيه ما كان فضله بغير عمل وما كان يعمل والثاني علو الدرجة في الجنة إذ لا يجوز الحكم للمفضول بعلو الدرجة بها على الفاضل وإلا لبطل الفضل وهذا القسم يختص به الفاضل بفضل عمله‏.‏ إلى هنا كلامه‏.‏

- ‏(‏الطبراني‏)‏ في كتاب ‏(‏مكارم الأخلاق عن أبي هريرة‏)‏‏.‏

1238 - ‏(‏أفضل الأعمال‏)‏ أي من أفضلها والمراد أفضل الأعمال الكسبية المطلوبة شرعاً ‏(‏الكسب من الحلال‏)‏ اللائق لأن طلب الحلال فريضة بعد الفريضة كما سيجيء في خبر ويجيء في آخر إن اللّه يحب أن يرى عبده تعباً في طلب الحلال قال حجة الإسلام إذا كان الرجل معيلاً محترفاً للقيام بحق العيال فكسب الحلال أفضل من العبادة البدنية لكنه لا ينبغي أن يخلو وينفك عن ذكر اللّه تعالى‏.‏

- ‏(‏ابن لال‏)‏ أحمد بن علي وكذا الديلمي ‏(‏عن أبي سعيد‏)‏ الخدري وفيه إسماعيل بن عمر شيخ لا يعرف وعطية العوفي أورده الذهبي في الضعفاء وقال ضعفوه‏.‏

1239 - ‏(‏أفضل الأعمال الإيمان باللّه وحده‏)‏ لأن به فضلت الأنبياء على غيرهم وهم إنما تفاضلوا فيما بينهم بالعلم به لا بغيره ‏[‏ص 27‏]‏ من الأعمال ‏(‏ثم الجهاد ثم حجة مبرورة‏)‏ أي مقبولة أو لم يخالطها إثم من الإحرام إلى التحلل الثاني أو لا رياء فيها أقوال رجح النووي ثانيها والحجة المبرورة ‏(‏تفضل سائر الأعمال كما بين مطلع الشمس إلى مغربها‏)‏ عبارة عن المبالغة في سموها على جميع أعمال البر قال النووي وذكر هنا الحج بعد الإيمان وفي خبر آخر بدل الحج العتق في آخر بدأ بالصلاة فالبر فالجهاد وفي آخر السلامة من نحو يد ولسان واختلاف الأجوبة باختلاف الأحوال والأشخاص كما تقدم وقدم الجهاد وليس بركن على الحج وهو ركن لقصور نفع الحج غالباً وتعدي نفع الجهاد أو كان حيث كان الجهاد فرض عين وكان أهم منه حالتئذ وهذا الحديث له تتمة عند أحمد من حديث عمرو ابن العاص سياقه سأل رجل رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم أي الأعمال أفضل قال إيمان باللّه وتصديق به وجهاد في سبيله وحج مبرور قال أكثرت يا رسول اللّه قال فلين الكلام وبذل الطعام وسماح وحسن خلق قال الرجل أريد كلمة واحدة قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم اذهب لا تتهم اللّه على نفسك انتهى‏.‏

- ‏(‏طب عن ماعز‏)‏ في الصحابة متعدد فكان اللائق تمييزه وقيل إن هذا غير منسوب وظاهر صنيع المصنف أنه لا يوجد إلا عند الطبراني وهو عجيب فقد خرجه أحمد في المسند قال الهيثمي بعد ما عزاه له وللطبراني رجال أحمد رجال الصحيح فاقتضى أن رجال الطبراني ليسوا كذلك فكان ينبغي للمصنف عزوه إليه لكن الحديث له شواهد ترقيه إلى الصحة بل ادعى بعضهم تواتره فمنها ما رواه أحمد عن عبادة أن رجلاً أتى المصطفى صلى اللّه عليه وسلم فقال يا نبي اللّه أي العمل أفضل قال إيمان باللّه وتصديق به وجهاد في سبيله قال أريد أهون من ذلك قال السماحة والصبر قال أريد أهون من ذلك قال لا تتهم اللّه في شيء قضى لك به‏.‏

1240 - ‏(‏أفضل الأعمال العلم باللّه‏)‏ أي معرفة ما يجب له ويمتنع عليه من الصفات والسلوب والإضافات فالعلم بذلك أفضل الأعمال وأشرف العلوم وأهمها فإنه ما لم يثبت وجود صانع عالم قادر مكلف مرسل للرسل منزل للكتب لم يتصور علم فقه ولا حديث ولا تفسير فجميع العلوم متوقفة على علم الأصول وتوقفها عليه ليس بطريق الخدمة بل الإضافة والرئاسة ومن ثم عد رئيس العلوم كلها فمعرفة اللّه تعالى والعلم به أول واجب مقصود لذاته على المكلف لكن ليس المراد بالمعرفة الحقيقية لأن حقيقته تعالى غير معلومة للبشر ولا العيانية لأنها مختصة بالآخرة عند مانعي الرؤية في الدنيا مطلقاً أو لغير نبينا وهم الجلة الأكابر أو لأولي الرتب العلية وقليل ما هم ولا الكشفية فإنها منحة إلهية ولا نكلف بمثلها إجماعاً بل البرهانية وهي أن يعلم بالدليل القطعي وجوده تعالى وما يجب له ويستحيل عليه كما تقرر‏.‏ وسبب الحديث أن رجلاً جاء إلى النبي صلى اللّه عليه وسلم وقال أي الأعمال أفضل قال العلم باللّه ثم أتاه فسأله فقال مثل ذلك فقال يا رسول اللّه إنما أسألك عن العمل فقال ‏(‏إن العلم ينفعك معه قليل العمل وكثيره‏)‏ لأن العبادة المعول عليها إنما هي ما كانت عن العلم به فأجّل المقاصد وأهم المطالب وأعظم المواهب العلم باللّه فهو أشرف ما في الدنيا وجزاؤه أشرف ما في الآخرة وهذا هو الغاية التي تطلب لذاتها أنما يشعر تمام الشعور بأن ذلك غير السعادة إذا انكشف له الغطاء وفارق الدنيا ودخل الآخرة وأما في الدنيا فإن شعر فبعض شعور قال بعضهم لا ينبغي لعاقل أن يأخذ من العلوم إلا ما يصحبه إلى البرزخ لا ما يفارقه عند انتقاله إلى عالم الآخرة وليس المنتقل معه إلا العلم باللّه والعلم بمواطن الآخرة حتى لا ينكر التجليات الواقعة فيها ولا طريق لذلك إلا بالخلوة والرياضة والمجاهدة أو الجذب الإلهي ‏(‏وأن ‏[‏ص 28‏]‏ الجهل لا ينفعك معه قليل العمل ولا كثيره‏)‏ لأن العلم هو المصحح للعمل والناس بمعرفته يرشدون وبجهله يضلون فلا تصح إذاً عبادة جهل فاعلها صفات أدائها ولم يعلم شروط إجزائها‏.‏ وفي طيه حث على أنه ينبغي للعاقل أن ينفي عن نفسه رذائل الجهل بفضائل العلم وغفلة الإهمال بإسقاط المعاناة ويرغب في العلم رغبة متحقق لفضائله واثق بمنافعه ولا يلهيه عن طلبه كثرة مال وجدة ولا نفوذ أمر وعلو قدر فإن من نفد أمره فهو إلى العلم أحوج ومن علت منزلته فهو بالعلم أحق انتهى قال ابن حجر وفيه أن العلم باللّه ومعرفة ما يجب من حقه أعظم قدراً من مجرد العبادة البدنية‏.‏

- ‏(‏الحكيم‏)‏ الترمذي في النوادر ‏(‏عن أنس‏)‏ قال الزين العراقي وسنده ضعيف انتهى فكان على المصنف استيعاب مخرجيه إيماءاً إلى تقويته فمنهم ابن عبد البر وغيره‏.‏

1241 - ‏(‏أفضل الأعمال الحب في اللّه‏)‏ أي في ذات اللّه لا لشوب رياء ولا هوى ‏(‏والبغض في اللّه‏)‏ قال الطيبي في هنا بمعنى اللام في الحديث الآتي من أحب للّه إشارة إلى الإخلاص لكن في هنا أبلغ أي الحب في جهته ووجهه كقوله تعالى ‏{‏والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا‏}‏ أي في حقنا ومن أجلنا ولوجهنا خالصاً فمن أفضل الأعمال أن يحب الرجل الرجل للإيمان والعرفان لا لحظ نفساني كإحسان وأن يكرهه للكفر والعصيان لا لإيذائه له والحاصل أن لا يكون معاملته مع الخلق إلا للّه ومن البغض في اللّه بغض النفس الأمارة بالسوء وأعداء الدين وبغضهما مخالفة أمرهما والمجاهدة مع النفس بحبسها في طاعة اللّه بما أمر ونهى ومع أعدائه تعالى بالمصابرة معهم والمرابطة لأجلهم وهذا الحديث على وجازته من الجوامع ومن تدبره وقف على سلوك طريق اللّه وفناء السالك في اللّه‏.‏ ثم إن قيل كيف يكون الحب في اللّه والبغض فيه أفضل من نحو الصلاة والصوم والجهاد‏؟‏ قلنا من أحب في اللّه يحب أنبياءه وأولياءه ومن شرط محبته إياهم أن يقفوا أثرهم ويطيع أمرهم، قال القائل‏:‏

تعصي الإله وأنت تظهر حبه * هذا لعمري في القياس بديع

لو كان حبك صادقاً لأطعته * إن المحب لمن يحب مطيع

وكذا من أبغض في اللّه أبغض أعداءه، وبذل جهده في مجاهدتهم بالبنان واللسان‏.‏ قال ابن رسلان‏:‏ وفيه أنه يجب أن يكون للإنسان أعداء يبغضهم في اللّه كما له أصدقاء يحبهم في اللّه تعالى‏.‏

- ‏(‏د عن أبي ذر‏)‏ قال الصدر المناوي‏:‏ وفيه رجل مجهول‏.‏

1242 - ‏(‏أفضل الأيام‏)‏ أي أيام الأسبوع‏.‏ قال أبو البقاء‏:‏ أصل أيام أيوام اجتمعت الواو والياء وسبقت الأولى بالسكون فقلبت الواو ياء وأدغمت الأولى فيها ‏(‏عند اللّه‏)‏ العندية للتشريف ‏(‏يوم الجمعة‏)‏ لما له من الفضائل التي لم تجتمع لغيره فمنها أن فيه ساعة محققة الإجابة وموافقته يوم وقفة المصطفى صلى اللّه عليه وسلم واجتماع الخلائق فيه في الأقطار للخطبة والصلاة، ولأنه يوم عيد كما في الخبر لموافقته يوم الجمع الأكبر والموقف الأعظم يوم القيامة، ومن ثم شرع الاجتماع فيه والخطبة ليذكروا المبدأ والمعاد والجنة والنار ولهذا سن في فجره قراءة سورتي السجدة وهل أتى، لاشتمالهما على ما كان ويكون في ذلك اليوم من خلق آدم والمبدأ والمعاد، ولأن الطاعة الواقعة فيه أفضل منها في سائر الأيام حتى أن أهل الفجور يحترمون يومه وليلته ولموافقته يوم المزيد في الجنة وهو اليوم الذي يجتمع فيه أهلها على كثبان المسك فلهذه الوجوه فضلت وقفة الجمعة على غيرها، لكن ما استفاض أنها تعدل اثنتين وسبعين حجة باطل لا أصل له كما بينه بعض الحفاظ، ثم الكلام في أفضل أيام الأسبوع، أما أفضل أيام العام فعرفة والنحر وأفضلهما عند الشافعي عرفة لأن صيامه يكّفر سنتين وما من يوم يعتق اللّه فيه الرّقاب أكثر منه فيه، ولأن الحق سبحانه يباهي ملائكته بأهل الموقف، وقيل الأفضل يوم النحر ففيه التضرع والتوبة وفي النحر الوفادة والزيادة‏.‏

- ‏(‏هب عن أبي هريرة‏)‏ إسناده حسن‏.‏

‏[‏ص 29‏]‏ 1243 - ‏(‏أفضل الإيمان أن تعلم أن اللّه معك حيثما كنت‏)‏ فإن من علم ذلك استوت سريرته وعلانيته فهابه في كل مكان واستحى منه في كل زمان والهيبة والحياء وثاقان لنفس العبد من كل ما ذكره اللّه سرّاً وجهراً، وبطناً وظهراً، فالنفس في هذه الأحوال الأربع تخشع لهيبته، وتذل وتخمد شهواتها وتقل حركاتها، فإذا كان من اللّه لعبده تأييد بهذين فقد استقام والمراد بذلك علم القلب لا علم اللسان فقد علم الموحدون أن اللّه معهم بالنص القرآني ‏{‏ما يكون من نجوى ثلاثة إلا هو رابعهم‏}‏ الآية، لأن الإيمان شهادة القلب لأنه سبحانه حيّ قائم موجود وإله واحد معبود فهذا هو الإيمان العام الذي من سلبه غير مؤمن ثم لشهود القلب مراتب ومن أفضلها شهوده للّه في كل مكان يكون فيه العبد على أي حال كان من خلاء وملاء، وسراء وضراء‏.‏ ونعيم وبؤس، وطاعة وعصيان، فيكون في حال الخلاء مستحياً وفي هذا الملاء متوكلاً، وفي السراء حامداً وفي الضراء راضياً وفي الغنى بالإفضال، وفي الإفلال بالصبر، وفي الطاعة بالإخلاص، وفي المعصية بطلب الخلاص‏.‏

- ‏(‏طب حل‏)‏ من حديث نعيم بن حماد عن عثمان بن كثير عن محمد بن مهاجر عن عمرة عن ابن غنم ‏(‏عن عباده بن الصامت‏)‏ ثم قال أبو نعيم غريب من حديث عروة ولم نكتبه إلا من حديث محمد بن مهاجر أهـ ونعيم بن حماد أورده الذهبي في الضعفاء، وقال وثقه أحمد وجمع، وقال النسائي‏:‏ غير ثقة وقال الأزدي وابن عدي قالوا كان يضع، وقال أبو داود‏:‏ عنده نحو عشرين حديثاً لا أصل لها أهـ ومحمد بن مهاجر فإن كان هو القرشي فقال البخاري لا يتلبع على حديثه، أو الراوي عن وكيع فكذبه جزرة كما في الضعفاء للذهبي وبه يتجه رمز المؤلف لضعفه‏.‏

1244 - ‏(‏أفضل الإيمان‏)‏ أي من أفضل خصاله ‏(‏الصبر‏)‏ أي حبس النفس على كريه تتحمله أو عن لذيذ تفارقه وهو ممدوح مطلوب ‏(‏والمسامحة‏)‏ يعني المساهلة، في رواية السماحة بدل المسامحة وذلك لأن حبس النفس عن شهواتها وقطعها عن لذاتها ومألوفاتها تعذيب لها في رضا اللّه وذلك من أعلى خصال الإيمان وبذل المال وغيره من المقتنيات مشق صعب إلا على من وثق بما عند اللّه واعتقد أن ما أنفقه هو الباقي، فالجود ثقة بالمعبود من أعظم خصال الإيمان، قال الزركشي‏:‏ والسماحة تيسير الأمر على المسامح‏.‏ وروى نحو ذلك عن الحسن وأنه قيل له ما الصبر والسماحة‏؟‏ فقال‏:‏ الصبر عن محارم اللّه والسماحة بفرائض اللّه، وفي الحديث وما قبله وما بعده أن من الإيمان فاضل ومفضول فيزيد وينقص إذ الأفضل أزيد، وفي خبر‏:‏ من سامح سومح له‏.‏

- ‏(‏فر عن معقل‏)‏ بفتح الميم وسكون المهملة وبالقاف المكسورة ‏(‏ابن يسار‏)‏ ضد اليمين المزني بضم الميم وفتح الزاي، وفيه زيد العمى، قال الذهبي في الضعفاء‏:‏ ضعيف متماسك ‏(‏تخ عن عمير‏)‏ مصغر عمر، بن قتادة بن سعد ‏(‏الليثي‏)‏ صحابي من مسلمة الفتح، وفي مسند أبي يعلى أنه استشهد مع المصطفى صلى اللّه عليه وسلم قال قال رجل يا رسول اللّه ما أفضل الإيمان‏؟‏ فذكره، وفيه شهر بن حوشب، ورواه البيهقي في الزهد بلفظ‏:‏ أي الأعمال أفضل‏؟‏ قال‏:‏ الصبر والسماحة، قال الحافظ العراقي‏:‏ ورواه أبو يعلى وابن حبان في الضعفاء من حديث جابر بلفظ‏:‏ سئل عن الإيمان فذكره، وفيه يوسف بن محمد بن المنكدر ضعفه الجمهور ورواه أحمد من حديث عمرو بن عنبسة بلفظ‏:‏ ما الإيمان‏؟‏ قال الصبر والسماحة وحسن الخلق‏.‏ وإسناده صحيح‏.‏ إلى هنا كلام الحافظ، وبه يعرف أن إهمال المصنف لرواية البيهقي مع صحة سندها وزيادة فائدتها غير جيد‏.‏

1245 - ‏(‏أفضل الإيمان أن تحب للّه وتبغض للّه‏)‏ لا لغيره فيحب أهل المعروف لأجله لا لفعلهم المعروف معه ويكره أهل الفساد والشر لأجله لا لإيذائهم له ‏(‏وتعمل لسانك في ذكر اللّه عز وجل‏)‏ بأن لا تفتر عن النطق به فإن الذكر ‏[‏ص 30‏]‏ مفتاح الغيب وجاذب الخير وأنيس المستوحش، ومنشور الولاية، قال وهب‏:‏ أوحى اللّه إلى داود‏:‏ أسرع الناس مروراً على الصراط الذين يرضون بحكمي، وألسنتهم رطبة من ذكري‏.‏ والمراد أنه يعمل اللسان مع القلب، فإن الذكر مع الغفلة ليس له كبير جدوى، لكن لما كان اللسان هو الترجمان اقتصر عليه مع إرادة ضميمة لذكر القلبي ‏(‏وأن تحب للناس‏)‏ من الطاعات والمباحات الدنيوية والدينية ‏(‏ما‏)‏ أي مثل الذي ‏(‏تحب لنفسك‏)‏ من ذلك، وليس المراد أن يحصل لهم ماله مع سلبه عنه ولا مع بقاء عينه له إذ قيام الجوهر أو العرض بمحلين محال ‏(‏وتكره لهم ما تكره لتفسك‏)‏ من المكاره الدنيوية والأخروية ‏(‏وأن تقول خيراً‏)‏ كلمة تجمع الطاعات والمباحات وتخرج المنهيات ‏(‏أو تصمت‏)‏ أو تسكت، والمراد بالمثلية هنا مطلق المشاركة المستلزمة لكف الأذى والمكروه عن الناس والتواضع لهم وإظهار عدم المزية عليهم، فلا يتنافى كون الإنسان يحب بطبعه لنفسه كونه أفضل الناس، على أن الأكمل بخلاف ذلك، فقد قال الفضيل لابن عيينة‏:‏ إن وددت أن تكون الناس مثلك فما أدّيت النصح فكيف لو وددت أنهم دونك، ومقصود الحديث وما في معناه ائتلاف القلوب وانتظام الأحوال وهذه هي قاعدة الإسلام التي أوصى اللّه بها بقوله ‏{‏واعتصموا بحبل اللّه جميعاً ولا تفرقوا، الآية‏}‏ وإيضاحه أن كلاً منهم إذا أحب لجميعهم مثل ماله من الخير أحسن إليهم وكف أذاء عنهم فيحبونه فتسري بذلك المحبة بينهم ويكثر الخير ويرتفع الشر وينتظم أمر المعاش والمعاد وتصير أحوالهم على غاية السداد‏.‏

- ‏(‏طب عن معاذ بن أنس‏)‏ قال سألت النبي صلى اللّه عليه وسلم عن أفضل الإيمان فذكره، قال الهيثمي‏:‏ فيه ابن لهيعة وهو ضعيف‏.‏

1246 - ‏(‏أفضل الجهاد‏)‏ أي من أفضل أنواع الجهاد بالمعنى اللغوي العام ‏(‏كلمة حق‏)‏ بالإضافة ويجوز تركها وتنوينها وفي رواية للترمذي‏:‏ عدل‏:‏ بدل حق، وأراد بالكلمة الكلام وما يقوم مقامه كالخط ‏(‏عند سلطان جائر‏)‏ أي ظالم لأن مجاهد العدو متردد بين رجاء وخوف، وصاحب السلطان إذا أمره بمعروف تعرض للتلف فهو أفضل من جهة غلبة خوفه، ولأن ظلم السلطان يسري إلى جم غفير فإذا كفه فقد أوصل النفع إلى خلق كثير بخلاف قتل كافر، والمراد بالسلطان‏:‏ من له سلاطة وقهر، وقضية صنيع المؤلف أن هذا هو الحديث بكماله، ولا كذلك بل تمامه عند مخرجه ابن ماجه كأبي داود‏:‏ أو أمير جائر‏.‏

‏(‏تتمة‏)‏ أصل الجهاد بالكسر لغة المشقة، وشرعاً بذل الجهد في قتال الكفار ويطلق على مجاهدة النفس وعلى تعلم أمور الدين ثم العمل بها ثم على تعليمها، وأما مجاهدة الشيطان فعلى دفع ما يأتي به من الشبهات وما يزينه من الشهوات، وأما مجاهدة الكفار فباليد والمال والقلب، وأما الفساق فباليد ثم اللسان ثم القلب ‏.‏

قال الدميري‏:‏ دخل النور البكري على محمد بن قلاوون فقال‏:‏ قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم‏:‏ أفضل الجهاد وذكر الحديث‏.‏ ثم قال له‏:‏ وأنت ظالم، فأمر بقطع لسانه فجزع واستغاث فشفع به بعض الأمراء‏.‏ فقال السلطان‏:‏ ما أردت إلا امتحان إخلاصه ثم نفاه‏.‏

- ‏(‏ه عن أبي سعيد‏)‏ الخدري، وكذا رواه أبو داود والترمذي باللفظ المذكور من الوجه المزبور ولعل المصنف ذهل عن ذلك، ثم إن فيه عند الكل عطية العوفي، قال في الكاشف‏:‏ ضعفوه ‏(‏حم طب هب عن أبي أمامة الباهلي‏)‏ قال عرض لرسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم رجل عند الجمرة الأولى فقال‏:‏ أي الجهاد أفضل‏؟‏ فسكت، فلما رمى الثانية سأله فسكت ثم سأله عند العقبة فوضع رجله في الغرز‏:‏ أي الركاب، ثم ذكره، ثم قال أعني البيهقي‏:‏ وإسناده لين، قال‏:‏ وله شاهد مرسل بإسناد جيد، ثم ساقه عن الزهري بلفظ‏:‏ أفضل الجهاد كلمة عدل عند ‏[‏ص 31‏]‏ إمام جائر ‏(‏حم ن هب‏)‏ والضياء أيضاً كلهم ‏(‏عن طارق‏)‏ بالمهملة والقاف ‏(‏ابن شهاب‏)‏ ابن عبد شمس البجلي الأحمسي له رؤية ورواية، قال في الرياض‏:‏ رواه النسائي بإسناد صحيح، وكذا قال المنذري فالمتن صحيح‏.‏

1247 - ‏(‏أفضل الجهاد أن يجاهد الرجل‏)‏ ذكر الرجل وصف طردي ‏(‏نفسه‏)‏ في ذات اللّه ‏(‏وهواه‏)‏ بأن يكفهما عن الشهوات ويمنعهما عن الاسترسال في اللذات ويلزمهما فعل الأوامر وتجنب المناهي فإنه الجهاد الأكبر والهوى اكبر أعدائك، وهو ونفسك أقرب الأعداء إليك لما أن ذلك بين جنبيك واللّه يقول ‏{‏يا أيها الذين آمنوا قاتلوا الذين يلونكم من الكفار‏}‏ ولا أكفر عندك من نفسك، فإنها في كل نفس تكفر نعمة اللّه عليها، وإذا جاهدت نفسك هذا الجهاد خلص لك جهاد الأعداء الذي إن قتلت فيه كنت شهيداً من الأحياء الذين عند ربهم يرزقون ولعمري إن جهاد النفس لشديد بل لا شيء أشد منه فإنها محبوبة وما تدعو إليه محبوب، فكيف إذا دعيت إلى محبوب فإذا عكس الحال وخولف المحبوب اشتد الجهاد بخلاف جهاد أعداء الدين والدنيا، ولهذا قال الغزالي‏:‏ وأشد أنواع الجهاد الصبر على مفارقة ما هواه الإنسان وألفه، إذ العادة طبيعة خامسة، فإذا انضافت إلى الشهوة تظاهر جندان من جنود الشيطان على جند اللّه ولا يقوى باعث الدين على قمعهما‏.‏ فلذا كان أفضل الجهاد، وقال أبو يزيد‏:‏ ما زلت أسوق نفسي إلى اللّه وهي تبكي حتى سقتها إليه وهي تضحك‏.‏